الرئيسية

لماذا تتجنب القنوات الجزائرية ذكر اسم المغرب؟

في مشهد إعلامي يثير الدهشة أكثر من الاستغراب، بات من الواضح أن وسائل الإعلام الجزائرية، الرسمية منها والخاصة، تتبنى سياسة إعلامية تقوم على تجاهل متعمد وممنهج لذكر اسم “المغرب”، حتى عندما يستدعي السياق الإقليمي أو الدولي ذلك، في سابقة تطرح أسئلة عميقة حول المهنية، وحرية التعبير، والأجندة الخفية وراء هذا السلوك.

فمن يتابع نشرات الأخبار أو البرامج السياسية والرياضية الجزائرية، سرعان ما يلاحظ تكرار عبارات مثل: “دولة مجاورة”، “جهة معينة”، “أطراف معروفة” بدلا من النطق باسم المغرب صراحة، بل وتصل الجرأة إلى استخدام عبارات دارجة مثل “الناس تاع هوك”، وكأن ذكر المغرب أصبح تابو سياسيا وإعلاميا، ممنوعا على الصحافيين والمحللين تحت طائلة “التوبيخ” أو أسوأ.

عندما يصبح “الصمت” سياسة رسمية

لم يعد هذا التجاهل حالة معزولة، بل أصبح قانونا غير مكتوب داخل غرف التحرير في القنوات الجزائرية. ففي تغطية الأحداث الرياضية التي تستضيفها المملكة المغربية، أو حين يكون المغرب فاعلا إقليميا في قضايا حساسة، يحرص على تمرير المعلومات في إطار رمزي أو مشوه، كأن الهدف هو طمس الحضور المغربي، حتى من الوعي الجماعي الداخلي.

ويذهب كثيرون إلى اعتبار هذا السلوك امتدادا لنظرة عدائية أعمق، يتبناها جناح داخل النظام الجزائري تجاه المغرب، خاصة فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية أو نجاحات الرباط المتواصلة في إفريقيا، في وقت يعيش فيه المشهد الجزائري أزمات متتالية على المستويين السياسي والاقتصادي.

إعلام بـ”توجيه علوي”

الأدهى من ذلك أن بعض الصحفيين يؤكدون، في جلسات خاصة، أنهم يطلب منهم بوضوح عدم ذكر المغرب في البرامج، إلا في حال وجود أخبار سلبية أو تقارير تخدم الرواية الرسمية. وهنا لا يعود الأمر مجرد “اختيار تحريري”، بل فرض أمني ناعم يحاصر الكلمة، ويحول الإعلام من وسيلة تنوير إلى أداة للتعتيم.

الجزائريون يبحثون عن الحقيقة… في الإعلام المغربي

هذا المنعكس الإعلامي خلف حالة تشوش واضحة لدى الجمهور الجزائري، الذي لم يعد يجد في إعلامه المحلي ما يغني فضوله حول المستجدات الجهوية، ما يدفع كثيرين إلى متابعة القنوات المغربية أو الدولية لمعرفة ما يحدث فعلا. المفارقة أن محاولة إخفاء المغرب تؤدي عمليا إلى زيادة حضوره لدى الجمهور، ولكن من خلال قنوات خارج سيطرة النظام الإعلامي الجزائري.

الهروب من المقارنة… بأي ثمن

يبدو أن التجاهل ليس صدفة، بل استراتيجية. فالنظام الجزائري، حسب مراقبين، يخشى أن تؤدي المقارنة بين المغرب والجزائر إلى كشف الفجوة التنموية المتسعة بين البلدين. فبينما تراكم الرباط إنجازاتها في مجالات البنية التحتية، والدبلوماسية، والاستثمار، يجد النظام الجزائري نفسه أمام سجل مثقل بالاحتجاجات والتعثرات الاقتصادية، ما يدفعه إلى تعليق إخفاقاته على “شماعة” المغرب.

يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن يستمر إعلام “لا يذكر الاسم” في عصر الانفتاح الرقمي؟ أم أن محاولات طمس الحقيقة ستنقلب على أصحابها، لتتحول إلى حافز لاكتشافها من مصادر بديلة وأكثر مصداقية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *