منوعات

تفاقم الجريمة في تونس: تحذيرات من أزمة اجتماعية خانقة ودعوات عاجلة للإصلاح

سلسلة جرائم صادمة تهز الرأي العام

شهدت تونس في الأسابيع الأخيرة موجة من الجرائم المروعة، توزعت بين القتل العمد والعنف الأسري والسطو المسلح، ما أثار حالة من القلق الشعبي ودفع مختصين إلى التحذير من أزمة اجتماعية متفاقمة.
ففي منوبة، عُثر على جثة محروقة لمحامية شهيرة، حيث تم توقيف ابنها وطليقها للاشتباه في تورطهما بالجريمة.
وفي سوسة، أدى شجار بين صديقين إلى مقتل أحدهما بطعنات قاتلة، كما فارق شاب آخر الحياة بعد تعرّضه لعملية سطو مرفوقة بطعنات قاتلة.

مشاهد عنف تتكرر في مختلف المحافظات

امتدت الجرائم لتشمل مناطق أخرى، إذ شهدت نابل مقتل رجل على يد شاب بسيف، بينما أقدم رجل في توزر على حرق زوجته حتى الموت، وقتل آخر زوجته في منوبة وأصاب ابنتها.
وفي بنزرت، طعن رجل زوجته حتى الموت بسبب خلاف مالي، كما عُثر على طفل (4 سنوات) مقتولًا بعد تعرضه لاعتداء جنسي من ابن عمته وقاصر آخر، في جريمة هزت الضمير الوطني وأعادت الجدل حول عقوبة الإعدام.

المخدرات: وقود الجريمة المتفجرة

أكدت الباحثة الاجتماعية صابرين الجلاصي أن انتشار المخدرات يُعد سببًا رئيسيًا في تصاعد الجرائم، مشيرة إلى حجز أكثر من 1.2 مليون قرص مخدر بقيمة تفوق 40 مليون دينار مؤخرًا.
وشددت على أن ارتفاع استهلاك المواد المخدرة يؤدي مباشرة إلى فقدان السيطرة وارتكاب جرائم بشعة، مدفوعة أيضًا بالضغوط الاقتصادية وانهيار القدرة الشرائية وتراجع الأدوار الأسرية.

العنف الزوجي والخلافات المادية… بوابة إلى الجريمة

ترى الجلاصي أن تدهور العلاقات الزوجية وتحولها إلى معادلات مادية أدّى إلى تصاعد حالات العنف المنزلي.
كما أكدت أن “الكرامة الذكورية المجروحة” والضغوط القضائية بعد الطلاق تدفع البعض إلى العنف كوسيلة للسيطرة، مشيرة إلى تأثير ما يُعرف بـ”خيانات فيسبوكية” وتراجع الحوار داخل الأسرة.

دور الأسرة والتنشئة في استبطان العنف

الباحثة فاتن مبارك ترى أن غياب التنشئة الاجتماعية السليمة وفقدان الأسرة لوظيفتها التربوية أسهما في تكريس العنف كوسيلة لحل النزاعات.
وأضافت أن الشباب والمراهقين باتوا يقلدون مشاهد العنف المتكررة في الإعلام ووسائل التواصل، ما جعلهم عرضة للتأثر بثقافة العنف والربح السريع.

تطبيع المجتمع مع العنف… ناقوس الخطر يُقرع

من جانبه، يرى الأستاذ الجامعي سامي بن ناصر أن تونس دخلت مرحلة “الثقافة العنيفة”، حيث أصبح العنف متغلغلًا في كل مفاصل الحياة: الأسرة، المؤسسات، الشوارع، وحتى أماكن العبادة.
وحذّر من أن المجتمع لم يعد يكتفي بارتكاب الجريمة، بل أصبح يبررها أحيانًا، في ظل ضعف الردع القانوني وفقدان الثقة في العدالة.

دعوات عاجلة لإستراتيجية وطنية شاملة

أجمع الخبراء على ضرورة بناء خطة وطنية عاجلة تبدأ من الأسرة والمؤسسات التربوية وتنتهي عند أجهزة الدولة والإعلام، لتكريس قيم الحوار والمحاسبة، واستعادة الثقة في الدولة كضامن للحقوق والعدالة.
كما شددوا على أن الاكتفاء بالحلول الظرفية لم يعد مجديًا، وأن معالجة الجريمة تتطلب إجراءات جريئة ومتواصلة للوقاية والمعالجة معًا.

تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *