في كل جيل تظهر موجة جديدة من الأدوات والتقنيات التي تغير طريقة تواصله مع العالم، وتعيد تشكيل ثقافته وسلوكاته اليومية. واليوم، يقف تطبيق “تيك توك” في صدارة هذه التحولات، حيث بات جزءا لا يتجزأ من حياة ملايين الشباب، وخصوصا أولئك الذين ولدوا ونشأوا في عصر السرعة الرقمية. لكن السؤال الذي يُطرح كثيرًا: هل نحن أمام أزمة وعي حقيقية لدى هذا الجيل، أم أن ما نشهده هو تطور طبيعي لطبيعة الاستهلاك الثقافي؟
تيك توك ليس مجرد تطبيق ترفيهي، بل منصة ضخمة تشكل طريقة تفكير، تذوق، وتفاعل. مقاطع الفيديو القصيرة والمكثفة ساهمت في تشكيل عقلية تعتمد على السرعة والاختصار، وأحيانًا السطحية، ما دفع كثيرين إلى الاعتقاد أن هذا الجيل يفقد اهتمامه بالعمق والمعرفة الطويلة. فهل هذا القلق مبرر؟
الواقع أكثر تعقيدًا. صحيح أن المحتوى السريع يُفضل على القراءة الطويلة، وأن كثيرًا من المستخدمين يقضون ساعات في مشاهدة مقاطع لا تضيف شيئًا حقيقيًا، لكن في المقابل، وُلدت على هذه المنصة موجة جديدة من المؤثرين الثقافيين والمعلمين الرقميين، الذين استطاعوا إيصال مفاهيم علمية، وفكرية، وحتى فلسفية، لجمهور شاب كان من الصعب جذبه بالوسائل التقليدية.
ما يحدث ليس أزمة بالضرورة، بل تحول في طريقة الاستهلاك المعرفي. بدلًا من مقاومته بالكامل، يمكن توجيه هذا التغيير نحو اتجاهات أكثر وعيًا. فالمشكلة ليست في “تيك توك” نفسه، بل في نوعية المحتوى، وفي غياب التوجيه الثقافي من مؤسسات التعليم والإعلام التقليدي.
جيل التيك توك ليس أقل وعيًا من غيره، لكنه يملك أدوات مختلفة، ويتفاعل مع العالم بلغة جديدة. ومن مسؤوليتنا – كأهل، ومعلمين، ومبدعين – أن نواكب هذه اللغة، لا أن نحكم عليها من بعيد. فربما يكون هذا الجيل، إذا وُجّه بشكل صحيح، أكثر قدرة على إعادة تعريف الوعي بأساليب مبتكرة وسريعة، دون أن يفقد جوهر المعرفة.